السبت، 16 فبراير 2008

في بيتنا



فِي بَيتنا
في كلِّ ركنٍ ذكرياتْ
في كلِّ شبرٍ قدْ ترى
لي ضِحْكَةٌ..أو دَمْعَةٌ..مَاضٍ وآتْ
وَكُلُّ شيءٍ فِيهِ يَروِي قِصَّتِي
جَنَبَاتُه فِيهَا حَيَاةٌ..لَهَا نَبَضَاتْ
وَفي الغُرُفَاتِ يُعْزَفُ لَحْنُ حِكَايَتِي
خُطَّتْ عَلَى الجُدْرَانِ آلافُ الحِكَايَاتْ
.....
فِي بَيتنا
هَذَا أَبي
مَازَالَ يَحيَا بيننا
مَازَالَ يَحْكُمُ أَمْرَنا
نراهُ يُقْبلُ حِينَ يَصْحُو بَاسِماً
يُلاطِفُنَا... فَنَراهُ يجْبُرُ كَسْرَنَا
طَيفُهُ مَازَالَ حَوْلِي
خُطْواتُهُ بالبَيْتِ .. مَازَالَتْ هُنَا
مَازَالَ يَحْمَدُ رَبَّهُ فِي ضَعْفِهِ
مَازَالَ يَضْحَكُ رُغْمَ جُلِّ شقَائِنَا
يَرْتَاحُ صَدْرِي لَوْ ذَكَرْتُ دُعَاءَهُ
ويَرِقُّ قَلْبي حِينَ أَذْكُرُهُ يُدَاعِبُ حُلْمَنَا
مَازَالَ يَرْوِي حَكَايَاهُ القَدِيمَه
ويُضْحِكُنَا... فَتَخْرُجُ الضَّحِكَاتُ تَقْهَرُ حُزْنَنَا
مَازِلْتَ يَا أَبَتي مَعي
لا لمْ تَمُتْ..إِنِّي أرَاكَ بـبَـيْـتِـنَا
مَازِلْتُ أَذْكُرُ كُلَّمَا قَبَّلْتَنِي
كُلَّمَا أَفْنَيْتَ مِن جُهْدٍ لنا
مَازَالَ حُبُّكَ يَا أَبي نُوراً بدَرْبي
مَا زَالَ طَيْفُكَ يَا أَبي قَبَسًا يُنيرُ حَيَاتَنَا
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ يَا أَبي
.....
فِي بَيتنا
في ذَلِكَ الرُّكْنِ القَرِيبْ
عَلَى الطَّاوِلَةِ العَجُوزِ صُورَةٌ
تَقْبَعُ مُنْذُ سِنينَ في صَمْتٍ رَهِيبْ
أنْظُرُهَا عَلَى اسْتِحْيَاء
فَأرَى شبَاباً قدْ تَخَطَّاهُ المَشِيبْ
وَأَرَى بَشَاشةَ الوَجْهِ الضَّحُوكِ وَقَدْ خَبَتْ
وَضِحْكَةً مَلأَتْ رُبُوعِ الأَرْضِ صَارَتْ كَالنَّحِيبْ
مَرَّتْ مَآسِي العُمْرِ عَلَى ثنايَا وَجْهِهَا
جَعَّدَتْهُ...فَصَارَ كَهْلاً لا إلى أَحَدٍ يَطِيبْ
آهٍ يَا زَمَان..
كَمْ تَخْطُو بنا الأَيَّامُ مُسْرِعَةً
تَجُرُّنَا جَرَّا يَفُوقُ قُدْرَتنا
لا تُبَالِي بالبُكَاءِ أَو النَّحِيبْ
حَتَّى بفُقْدَانِ الحَبيبْ
لا تُبَالِي بمَنْ تَسَاقَطَ تَحْتَ عَجَلاتِ الزَّمَن
مَاضِيةٌ هِي فَوْقَ أَشْلاءِ البَشَر
لا تَرِقُّ لِمَنْ عَثَر
لا تُفرِّقُ مَرََّةً مَا بَيْنَ نِدٍّ أَو قَريبْ
فِي بَيتنا
كلُّ الحَكَايَا قدْ حَكَيْنَا
كَمْ حَزِنَّا..كَمْ بَكَيْنَا
كَمْ مِنَ الأَلَمِ ارْتَوَيْنَا فَاكْتَوَيْنَا
كَمْ فِي دُرُوبِ اليَأسِ كُثْراً قَدْ مَضَيْنا
كَمْ ظَنَنَّا أنَّنا - بَعْدَ الرَّحِيلِ - قَدِ انْتَهَيْنَا
.....
عَنْ بَيتنا
الآنَ قَرَّرْتُ الرَّحِيل
فَلَسَوْفَ أَهْجُرُ حُزْنَ حِكَايَتِي
وَلَسَوْفَ أَنْسَى بالرَّحِيلِ ذِكْرَى مِحْنَتِي
وَعِنْدَ البَابِ وَجَدْتُ أبي
قَالَ : مَا تِلْكَ؟!! قُلْتُ :حَقيبتِي
أنْوِي الرَّحِيلَ لِحَيْثُ لا أعْلَم
فالذِّكْرَيَاتُ هُنَا حَتْماً سَتقتلُ فَرْحَتِي
ولَسَوْفَ تُذْهِبُ عَقْلِي
وَتَحْبسُ أنْفَاسِي..وَتسْلُبُ قوَّتِي
فَبَكَى أبي
وَضَمَّنِي مَعَ إخْوَتِي
وَجَمَعَ أيْدِينَا مَعاً
قَالَ : لا تَرْحَل..تِلكَ وَصِيَّتِي
فَبَقِيتُ بالبَابِ..وَضَعْتُ حَقِيبَتِي
سَأرْحَلْ؟!! أمْ سَأبْقَى؟!!
في بيتنا
.....

الاثنين، 11 فبراير 2008

يتساءلون : لم الصمت؟؟

أحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام ، وأحيانا يكون الصمت جبنا أو ضعفا ، أو قد يكون الصمت سمة شخصية لبعض الناس.
المهم أني من هؤلاء الذين ينتقدون - أحيانا - لطول صمتهم ، ولعلي لا أعرف تحديدا أي نوع من الصمت صمتي ، لكني أشعر أنه نابع من بعض الخلل في الشخصيه والذي يجعلني أشعر أني غير هؤلاء الذين يتحدثون.
القصة قديمه تبدأ مع بداية دراستي الإبتدائية في إحدى المدارس بالسعوديه ، وتخيلوا أني كنت "القميص والبنطلون" الوحيد بين مدرسة كاملة من "الجلابيب" البيضاء. أعتقد أن ذلك كان كافيا ليجعل طفلا يشعرأنه - على الأقل - مختلف.
بدأت الدراسه وبدأ معها اضطهاد الطلبه السعوديين لي بطرق مختلفه لعل أقلها هو السباب ونعتنا - نحن المصريون - بأننا متسولون.
أذكرأنهم في حصة التربية الرياضيه كانوا يرفضون أن ألعب معهم اللهم إلا بعد إصرار المدرس على إشراكي في اللعب.
حينها كنت ألوذ بالصمت رغم إتقاني للهجة السعودية بسرعة غريبه وبصورة تجعل من يحادثني يشعر للوهلة الأولى أني سعودي حتى النخاع ، ولعلي أتقنت لهجتهم بهذه الصوره لأقلل الفوارق بيني وبينهم ، ولأقلل الشعور عندي بأني مختلف أو فلنقل منبوذ.
مضت المرحلة الإبتدائية طويلة ممله ، مضت دون أن يكون لي صديق واحد ، بصراحه لم أجد أصلا بين زملائي من يقبل بمصادقتي ، إذ أنهم كانوا يعتبرونني بمثابة الأجنبي الذي جاء مرتديا زي الإفرنج لاستلاب أموالهم ، بالتالي لم يكن لي الحق - في نظرهم - أن يكون لي صديق أو أن أعيش مثلهم ، فقد جئت للمال وها أنا آخذ المال ، فلا حق لي بعده.
في تلك الفتره كرهت المددرسه وكنت كل ليله أفكر في ما سيحدث لي في اليوم التالي ، ولعلي لا أبالغ لو قلت أن ما مررت به في المرحلة الإبتدائية - مما ذكرته ومما لم أذكره - كان كافيا أن يملأ أي طفل بالعقد النفسيه ، لكن ذلك لم يحدث لأن أبي - رحمه الله - وأمي -بارك الله في عمرها - كانا دائما صديقين حميمين لي وكانا دائما ما يهتمان بمحادثتي ومناقشتي في شتى الأمور ، والحمد لله مرت مرحلة الدراسة الإبتدائيه ، ولنقل أنها مرت بسلام.
عدت إلى مصر لأبدأ الدراسة الإعداديه ، ولأبدأ معها مرحلة جديدة ومختلفة في حياتي ، فقد كنت أعتقد أني سأرتاح من اضطهاد الزملاء وتجنبهم لي ، لكن ما حدث كان مختلفا تماما عما تمنيته ، فقد نظر لي زملائي على أني غريب عنهم ، بل في بعض المرات نعتوني بـ العبيط ذلك أني لم أكن على دراية كافية بحياتهم وعاداتهم ، وأيضا لم أكن أملك خفة الدم المصريه ، أو حتى حلاوة اللسان التي هي سمة من سمات شعبنا ، أضف إلى ذلك أنهم كانوا شبه مقسمين إلى ما نسميه "شله" فكان من الصعب أن أخترق مجال أي "شلة" منهم ، اللهم إلا شلة من بلداء المدرسة قبلوا بي كمتفوق يشرفون بانضمامه إليهم.
لكن الحال لم يدم كذلك طويلا ، فقد قررت بعد انتهاء العام الأول بتلك الطريقه أن يكون لي أصدقاء أشرف بصداقتهم ، فبدأت بالتقرب إلى بعض الزملاء الذين أحترمهم لتفوقهم وخلقهم ، وقد نجحت - والفضل لله - في اكتساب صداقتهم ، بل إني أصبحت الرابط الخفي بينهم ، فأنا الذي يصالحهم إذا تخاصموا ، وأنا الذين يستندون إلى رأيه ، ويهتمون بمشورته ويقتنعون بكلامه.
لو كان الأمر كذلك وحسب لقلنا أن المرحلة الإعداديه كانت فترة رائعة بالنسبة لي ، كافية لأن تمحو الآثار السيئة للمرحلة الإبتدائيه ، لكن كما نقول " الحلو ميكملش " ففي هذه الفتره كان أبي ما يزال مسافرا ، وكانت والدتي تخشى علينا أن نضل الطريق في غياب الأب ، فإذا بها تفرض علينا شيئا من الرقابة الصارمه ، فلم أكن أستطيع الخروج من البيت إلا للمدرسة أو الدرس أو الصلاه. أعلم أن ذلك كان خوفا منها علينا ، لكني كرهت الحياة بهذه الطريقه ، وإذا بي ألتزم الصمت للمرة الثانية في حياتي ، لكن صمتي هنا كان أسوأ فكان داخل البيت وخارجه صمت داخل البيت كشيء من الإعتراض على طول قبوعي فيه ، وصمت مع أصدقائي لعدم اندماجي معهم بما يكفي.
مرت المرحلة الإعدادية ولي بعض الأصدقاء ، لكني بحق لم أكن راضيا عن مدى ارتباطي بهم ، وأستطيع القول أني طوال حياتي لم أحظ بصديق "أنتيم" أحكي له كل شيء بلا خجل.
في المرحلة الثانويه عاد أبي من سفره ، وعاد معه الهدوء والإستقرار إلى بيتنا من جديد ، وبدأت أمي رويدا رويدا تقلل من رقابتها الصارمه لي ولأخوتي ، فقد كانت - ومازالت - تثق فينا ثقة عمياء. لكن هذا الاستقرار وذلك الهدوء كان بعد أن تركت الفترة التي تسبقه بصمتها في تركيب شخصيتي ، وجعلتني لا أجيد الكلام مع من تربطني بهم علاقات سطحيه ، وأخشى الكلام مع من لا أعرفهم ، جعلتني خجولا إلى حد يضايقني ، أستطيع القول أني أمتلك الآن قدرا لا بأس به من الغباء الإجتماعي.
لكني في النهايه أود أن أوضح أني - رغم الصمت - أحب الناس جدا ، وأحب بشده أن أكون معهم وبينهم ، لكني أكره أن يحاسبوني على صمتي ، أو أن يكون هذا الصمت حائلا بيني وبينهم.

الأحد، 10 فبراير 2008

هذا أبي...

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

سؤال: كيف ترى علاقتك بوالدك؟

والجواب لا تتسرع فيه ....تأنى ... فكر .... ثم قل ما تشعر به بصدق تجاه علاقتك بوالدك...

عاملان دفعاني دفعا إلى كتابة هذا الموضوع



العامل الأول هو حوار دار بين مجموعة من أصدقائي عن علا قة كل منهم بوالده ... وسمعت حينها إجابات أحزنتني كثيرا...

منها مثلا من قال:"أنا أبويا صايع"

وآخر يقول:" أنا أبويا دلوقتي بيعمل عمرة رمضان ...ويارب مايرجع منها"

وآخر : " أنا علاقتي بابويا ان اللي بيعرف يظبط التاني بيظبطه"

وآخر : " أنا أبويا خانقني"

وآخر " أنا بعتبر البيت مجرد لوكانه يعني بروح على قد النوم أصلي مش ناقص وجع دماغ"

وآخر قال بسخريه :"على رأي المثل ان كبر ابنك خاويه...وان كبر ابوك تاوويه"

وبصراحه لم أشترك في هذا الحوار إذ استحييت أن أزج باسم أبي في حوار يسب فيه الآباء..

إلى أن فاجأني أحدهم بسؤال " وانت أبوك عامل معاك إيه؟"

فقلت له : " أنا وابويا اصحاب جدا ... والعلاقه بينا ممتازه"

ورأيت حينها علامات الدهشه والاستغراب في عيونهم وكأنه بات غريبا في مجتمعنا أن يصادق الوالد ولده ويحتويه.

لعلكم الآن قد ظننتم بي السوء إذ أن لي أصدقاء يتحدثون عن آبائهم بهذه الطريقه التي ينقصها الأدب ...

لكني أقول لكم إنهم ليسوا سيئين إلى هذا الحد ولكنهم تحدثوا بما يشعرون به بصدق تجاه آبائهم

وعدت إلى بيتي يشغلني بشده حوار أصدقائي...وجلست وحدي أستعرض شريط حياتي مع أبي..

كيف كان يحملني وأخي على ظهره ويجوب بنا أرجاء البيت مغنيا متراقصا في منتهى السعاده أن أسعدنا...

كيف كان يستذكر لي دروسي حتى جعلني من المتفوقين في دراستي...

كيف كان يذهب بنا كثيرا إلى الملاهي والحدائق...

كيف كان يلعب معنا الكره وكأنه في مثل عمرنا...

وكيف أنه جعلني رجلا مذ كنت في الصف الثالث الإعدادي فكان يشاورني في أموره وفي قراراته المصيريه...

وكيف أنه لا يأخذ قرارا أبدا - مهما كان خاصا به - إلى بعد موافقة الأسرة عليه...فلنا ما يشبه مجلس إدارة الأسره وفيه جميعنا لنا نفس الحقوق تماما...

بل إنني أذكر أنه في بعض المرات لا يدلي برأيه إذا وجدنا اتفقنا على رأي معين...

تذكرت أنه كيف كان يتحمل من أجلنا الكثير...

تحمل عناء الغربه حتى يوفر لنا حياة كريمه...

تذكرته وهو بالكاد يأخذ نفسه ويصر على الذهاب لعمله لئلا يتأخر عن مصالح الناس...

تذكرته في جلستنا معا يحدثني في مختلف أمور الحياه والدين... يروي لنا قصص الأنبياء...يعلمنا مكارم الأخلاق...

تذكرته يحكي لنا عن طفولته البائسه دون حرج...يحكي عن قسوة والده عليه ورغم ذلك كنت أرى بعيني جل احترمه لوالده...

تذكرته يحكي لي عما عاناه من فقر في صغره ورغم ذلك كان قنوعا ...علمته جدتي حكمة غاليه فكانت تقول له "يابني ما فارق اللسان بقى نتان"

أي أن الطعام إذا تجاوز اللسان تساوى اللحم مع الملح فما عدنا نشعر بطعمه أو نستلذ به... علمته أن ينظر لمن هو أقل منه وألا يحسد احدا والا يحقد على احد...رغم انهم كانو من اشد الناس فقرا في قريتنا...

أخبرني كيف أنه كان في الثانوية العامه يعود من مدرسته ليعمل في الزرع والحصاد بالأجر حتى المساء ثم يسهر ليذاكر طوال الليل ولا ينام الا ساعة أو ساعتين فلم تعطله ظروفه القاسيه عن النجاح والالتحاق بكلية الطب...

علمني السماحة بأسمى معانيها...فكان إذا أخطأ أحد في حقه عفا عنه وقال " كله عند الله "

علمني حب الناس ومراعاة ظروفهم إلى أقصى حد فكان في عيادته يتقاضى أتعابا زهيده جدا وأقسم لكم أن اتعاب طلبة الامتياز كانت تفوق اتعابه وهو في الخمسين من عمره ... وكنت كلما حدثته بأن هذا لا يليق بمكانته وعلمه قال لي " الناس غلابه يابني"

علمني كيف أتصدق دون أن تعلم يساري ما أنفقت يميني...

جعلني أحب تلاوة القرآن وأستريح بها فلطالما استيقظت في الصباح على صوته العذب يتلو كتاب الله...

علمني كيف احترم الكبير مهما كان وضعه الاجتماعي... رأيته يحترم الناس بشده ...عهدته متواضعا بشده ...وفيا بشده...

ولعلكم لن تصدقوني إن قلت لكم أن أحد أصدقائه منذ الطفوله غير متعلم و يعمل مبلط ... وتخيلوا الطبيب يصادق مبلطا...

بل علمني كيف أحترمه تماما مثلما أحترم أصدقاءه الأطباء...

علمني أن احمد الله مهما كانت الظروف...فكان وهو في أشد المرض والألم يقول:" الحمد لله ...اللهم اجعله في ميزان حسناتي..."

علمني الأمانه بطريقه يجدها بعض الناس غريبه...إذ أنه يضع كلما ماله في مكان نعلمه جميعا ومن يحتاج منا الى المال يذهب ويأخذ بنفسه ما يحتاجه...وتخيلوا انه لا يحدد لنا مصروفا بل يأخذ كلا منا ما يريده....وصدقوني تعلمنا أن نأخذ انا وإخوتي ما نحتاج إليه وحسب فالمال أمامنا طوال الوقت ... فلماذا نخبؤ منه شيئا أو نأخذ زيادة عن حاجتنا...

وآتي أخيرا إلى الموقف الذي جعلني أحترم أبي أكثر وأكثر وهو الدافع الأساسي وراء كتابتي هذا المقال...

حدثت لي مشكلة ما وبصدق كنت مخطئا فيها فلما علم بها أبي قبل الإفطار لم يحدثني عنها و تناولنا الافطار وذهبت لصلاة العشاء والتراويح فلما عدت من صلاة التراويح وجدت أبي يصلي التراويح إذ ان مرضه منعه من ادائها في المسجد...فلما صلى أبي خرج إلينا وجلس أمامي وإذا به ينفعل بشده ويوبخني كثيرا ورأيت منه حينها قسوة ما عهدتها منه فأبي طوال عمره حنون طيب... المهم انه وبخني كثيرا امام اخوتي وانا من عادتي والحمد لله الا أرد على والدي مهما انفعل علي ...فلما ان انتهى من حديثه قمت فدخلت غرفتي وأغلقتها علي وجلست وحدي بين حزني ودموعي حوالي خمس ساعات إلى ان سمعت ابي يدخل غرفته ويغلقها عليه وكأنه فطن إلى أني لن اخرج قبل ان ينام هو... فخرجت وجلست إلى جهاز الكمبيوتر وما هي إلى لحظات حتى وجدت والدي يدخل علي فلما هممت أن أعتدل في جلستي قال لي بحنو "خليك زي مانت" وإذا به يحتضنني طويلا ويبكي ويقول : "سامحني يابني متزعلش مني " وكانت هذذه من المرات القليله التي رأيت فيها أبي يبكي فبكيت ببكائه وقلت له " محصلش حاجه يا بابا أنا مش زعلان " لكنه ظل يعتذر مني عما بدر منه...

وحان ميعاد السحور فأيقظت إخوتي فجلسنا إلى الطعام فإذا به يقبل رأسي أمامهم ويقول وسط دموعه "سامحني يابني أنا آسف" قالها دون أدنى حرج أو غضاضه وكأنه أبى إلا أن يعتذر مني أمامهم كما أهانني أمامهم...

بالله عليكم أي الآباء هذا الذي يعتذر من ولده لأنه وبخه على خطئه...أي الآباء هذا الذي لا تعرف عيناه النوم وله ولد غاضب أو حزين..

إنه أبي ... ولي كل الشرف أن يكون هذا الرجل أبي...بل اني والله في بعض الأحيان أستكثره علينا وأشعر أننا لا نستحق مثل هذا الأب...