الاثنين، 23 مارس 2009

خــالـتـي

تأخرت كثيرا في نشر هذا المقال ، فقد كنت كلما كتبته وهممت بنشره وجدت أن كلماتي ضئيلة جدا ، ولا توفيها حقها..ورغم أن الكلمات هذه المرة أيضا لاتوفيها حقها ، إلا أنني قررت نشرها ، فبالنهاية لا تحتاج خالتي إلى كلماتي ، ولا إلى أضعافها..

هي لم تتعلم ، فوقتها لم يكن ببلدتنا مدرسة تذهب إليها ، ولم يكن لدى جدي - رحمه الله - المال ولا الثقافه ليدفع بها إلى مدرسة المدينه ، كانوا يرون أن تعليم الفتاة لا طائل منه ، فدورها ـ برأيهم ـ لا يتعدى أن تكون زوجة وأما..لا أكثر.

كانت الوحيده من بين أخواتها التي تساعد والدها في عمله بالزراعه ، يبدو أنها أرادت أن تكون رجلا له يعينه على عمله ويشد من أزره إذ لم يرزقه الله بالذكور.

زارهم خالها ذات يوم وقال لوالدتها : "أنا عاوز أجوز فاطمه لعلي" ، ولأن هذا الخال كان كبير العائلة وقتها لم يستطع أحد أن يخالف أمره ، رغم أن عليـًّا هذا لم يكن يصلح زوجا بحال من الأحوال ، وجاهد جدي جهادا مريرا لأن يمنع هذه الزيجه ، كان يقول :"هو ده ينفع يفتح بيت ، ده بيمشي في البلد قالع راسه!!"..كان كشف الرأس حينها ضربا من مخالفة التقاليد ، والخروج عن المألوف ، والاستهتار..تماما مثل "البنطلون الساقط" ، والسلسله ، والحضاضه في زماننا!!

تمت الزيجة على أي حال..وبدأت المأساه..انتقلت خالتي إلى بيت زوجها الذي هو بيت عائلته لتعيش مع حماتها التي كانت امرأة غليظة القلب ، قاسية إلى أبعد الحدود ، لا تملك رحمة أو شفقة حتى بأبنائها ، فما بالنا بخالتي؟!!! يكفي أن أقول أنها كانت تبخل على خالتي حتى بالطعام ، ولولا أن بيت أمها كان قريبا منها لماتت خالتي جوعا .

أما الزوج ، فقد ورث غلظة أمه وقسوتها ، كان كثيرا ما يعتدي على خالتي بالضرب ، كان دائما ما يسبها ، كان في أحسن أحواله يناديها قائلا : "يا بت" ، لا أذكر أني سمعته مرة يناديها باسمها..فما بالنا بكلمة حسنة أو حتى ابتسامه..بالطبع هذا كان ضربا من الخيال ، أو الجنون!!!

لم يعطها يوما جنيها ، لم يشتر لها أبدا جلبابا أو حتى إيشاربا ، كانت تشتري ما تحتاجه من مال أعطاه لها أبوها ، أو أبناء عمومتها في الأعياد و "المواسم" ، أو حتى دون مناسبة لما يعلمون من بخل زوجها عليها.

ليت الأمر توقف عند ذلك ، بل كان هذا الزوج - رغم كل صبرها عليه - يخونها مرار وتكرارا ، أذكر أنها مرة من المرات القليلة التي حكت فيها شيئا عنه ، حكت لي عن خيانته المتكررة لها..كثيرا ما أمسكت به يخونها في "الغيط" وحتى في البيت ، حكت لي عن تلك المرأة التي جاء بها إلى البيت ، وباتت معهما في غرفة نومهما ، بالطبع لم تنم خالتي ليلتها ، ظلت طوال الليل تراقبه لكي لا يفعل شيئا ، وهو يكاد يموت غيظا ، ضحكت كثيرا حينها ، وضحكت هي معي ، يبدو حقا أن شر البلية ما يضحك!!

ربما يتساءل البعض الآن عن سر احتمالها له..أذكر ذات مره أنه ضربها ضربا مبرحا ، حتى أن جيرانها جاءوا بها إلى بيت أبيها يحملونها حملا ، فأخذها أبي - رحمه الله - إلى المستشفى لعمل تقرير طبي بحالتها ، وأخذ حقها ثم طلاقها منه ، حينها قالت بشيء من حكمة الكبار رغم صغر سنها : " لأ يابا ، هو عاوز كده عشان ميصرفش ع العيال ، والله ما حد هيربي عياله غيره "...لملمت جراحها وأطفالها وعادت بهم إلى بيت زوجها أو بتعبير أدق إلى السجن!!

وبعد كل ذلك ، ذهب وتزوج بامرأة أخرى ، وكان فصلا جديدا من فصول روايتها الباكيه ، وبالطبع تعلمون ما يحدث للزوجة الأولى عندما تأتي الثانيه!!! يكفي أنه كان يتعمد أن يدلل زوجته الجديده ويداعبها ويلاطفها أمامها وهو بخل عليها حتى بأن يناديها باسمها!!! كان يغرق الأخرى بالهدايا ، والملابس الجديده ، والعطور كل يوم وهو لم يفكر يوما أن يشتري لخالتي ولو حذاء!!!

لكن هذه المرة أبى الله إلا أن يخلص خالتي من عذابها ، فمرضت الزوجة الثانية بمرض عقلي ، ولأن الزوج كان "قليل الأصل"..لم يحتملها وبعث بها إلى بيت أهلها ، فهو لم تعد له بها حاجة طالما مرضـت!!

المشكلة أنها كانت قد أنجبت ولدا قبل مرضها ، وفي ظل ظروفها ما عادت قادرة على رعايته ، هي أصلا ما عادت قادرة على رعاية نفسها فكيف ترعى ولدها؟!!! ربما لن تصدقوني لو قلت لكم أن خالتي تكفلت برعايته وتربيته بين أبنائها كواحد منهم بل وأفضل..رغم كل ما فعلته أمه معها..وقفت بجانبه حتى صار متفوقا بدراسته ، والتحق بكلية الطب التي لم يصل إليها أي من إخوته ، لن أنسى أبدا تلك الفرحة بعينيها لما ظهرت نتيجة الثانوية العامه وكان من المتفوقين ، كنت أتعجب من أمرها كثيرا ، كيف تفرح هكذا وهو ابن "ضرتها"؟!!! وقد وصل إلى مكانة لم يصل إليها أبناؤها..أليس الأولى أن تشعر بالضيق لذلك؟!!أي تسامح هذا؟!! وأي رحمة تلك؟!!

وما أن التحق بالجامعه..وتحديدا يوم عيد الأضحى الماضي..توفيت خالتي ، سبحان الله ، وكأنها هكذا قد أتمت ما خلقت لأجله ، توفيت بعد ثلاثين عاما من الشقاء ، ثلاثين عاما لا أذكر أني رأيتها يوما سعيده ، ورغم ذلك كانت دائما ما تضحك ، دائما راضيه ، دائما تقول ملأ الفيه : "الحمد لله"..

لطالما اعتقدت أن الحياة حلو ومر ، هناء وشقاء ، بل وكنت أعتقد أن الهناء فيها أكثر من الشقاء ، وأن الحلو أكثر من المر ، ولما تدبرت حياة خالتي ، وجدت أنه من بيننا من يعيشون الحياة مر ومر ، شقاء وشقاء..

توفيت خالتي يوم عيد ، كان هذا أسوأ أعيادنا ، وكان عزائي يقيني بأنه أفضل أعيادها وأسعدها على الإطلاق ، فقد عاشت - رحمها الله - راضية محتسبه ، و"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب".

10 هاه..إيه رأيك؟:

أنا لي الشرف أن أكون أول المعلقين على هذا الموضوع
بصدق سقط الدمع من عيني وأنا أقرأ ذاك المقال

---------------------------

لطالما اعتقدت أن الحياة حلو ومر ، هناء وشقاء ، بل وكنت أعتقد أن الهناء فيها أكثر من الشقاء ، وأن الحلو أكثر من المر ، ولما تدبرت حياة خالتي ، وجدت أنه من بيننا من يعيشون الحياة مر ومر ، شقاء وشقاء..


أذكر حديثاً لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما معناه

أنه يُؤتى بأكثر أهل الأرض نعيماً وظلماً فيُغمس في النار غمسة واحدة ثم يسأله الله تعالى: أرأيت نعيماً قط في حياتك؟؟ قيقول: لا والله يارب...

وأنه يؤتى بأكثر أهل الأرض شقاءً فيُغمس غمسة في الجنة غمسةً واحدة ثم يسأله الله تعالى: أرأيت شقاءً قط في حياتك؟؟ فيقول: لا والله يارب...


وبعد
أرأيت الفرق
أللهم إني أسألك أن ترحمها وأن تعوضها ما ذاقت من الذل والعذاب في حياتها
وأن تجعلها تتنعم في جنات الفردوس
وأن تشرب من يد رسولنا الكريم شربةً هنيئة لا تظمأ بعدها أبداً..

أذكر أيضاً يا شادي
حديثاً لحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه
أنه كان يحضر جنازة رجلين
الرجل الأول كان سيئاً
وسمع الناس تقول عنه أنه كان سيئاً غليظ القلب
فقال فيما معناه: فهو في النار
وحضر جنازة الآخر وكان طيب السمعة أثنى عليه الناس
فقال فيما معناه : فهو في الجنة

فالناس لا تذكر محاسن قبيح ولا تنسى محاسن محسن.. والرسول-صلى الله عليه وسلم- شهد لهم بمصيرهم من حكم الناس عليهم ... وأسأل الله أن تكون شهادتك في ميزان حسناتها

والله أعلى وأعلم
وأنهي بقول الله تعالى
"وبشر اللذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا.. إنا لله وإنا إليه راجعون"


اصبر واحتسب
واللهم اجمعنا واياها في مقعد صدق عند مليك مقتدر


آسف مش قادر أكتب أكتر من كدا
 
رحمها الله رحمة واسعة ،

و أدخلها فسيح جناته ...


تدبرت هذه الآية " و لنبلونكم بشئ من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الأنفس و الثمرات ...و بشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم و رجمة و أولئك هم المهتدون "

فوجدت أن خالتك قد جمعت أكثر من نوع من البلاء ... الخوف ، و الجوع ، و نقص من الاموال ، و ربما الأنفس ، و ربما الثمرات أيضا ...و كانت من الصابرين المحتسبين

فابشر بإذن الله .. بصلوات الله عليها و رحمته و هداه



و لكن برأيى أن خالتك قد حازت نعمة لا يفوز بها غير من كان موضعها

فقد كانت راضية ... و من بزماننا هذا يرزق الرضا؟؟؟
رزقت الحكمة ...و كم منا يرزق الحكمة؟؟
رزقت سلامة الصدر حتى تجاه من أساء إليها ... و من منا يفعل ذلك ؟؟


انظر للامر من زاوية اخرى .. ستجد أنها عاشت بحلاوة الايمان ، و برضا ربها عليها

فإن الله لا يظلم مثقال ذرة ،
و لكننا لا نضع تلك النعم فى حساباتنا عندما نقيس النعيم و الشقاء بميزان الدنيا ..



خالص دعائى لخالتك


و دمت بود
 
بوست طويل محتاج تعليق يتقرى فى اسبوع لكنه شيق
تسلم ايدك
 
محمد الجوهري

منورني طبعا

وبصراحه مش عارف أقولك إيه ع الرد الجميل ده

شكرا لك

أدام الله الود بيننا

دمت بكل خير
 
Soul.o0o.Whisper

أهلا بك

بالطبع أعلم أن الله ليس بظلام للعبيد

وأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه

وأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

وأحسب خالتي إن شاء الله منأهل الجنة ولا أزكي على الله أحدا


مرورك أسعدني ، وشرفني

دمت بكل خير
 
صوت من مصر

أهلا بك

شرفتني زيارتك

وليس المهم طول التعليق

المهم حضورك معنا

شكرا لمرورك

دمت بخير
 
الله يرضي عليك
ويرحم الست العظيمة دي وينولها جزاء الصابرين
ويرحم مواتانا موتي المسلمين اجمعين
 
سما الحب

أهلا بك

اللهم آمين

شكرا لمرورك
 
اللهم ارحمها وبلغها منازل الصابرين يارب

اهي قصة واحدة من قصص لو حد بيحس كان بكى على صاحبتها
اه يا قلبي
الله يرحمها
راحت لرحمة الرحمن اللي وعد الصابرين الجنة

شكرا ليك انك خليتني اقرأ قصتها
قصة فعلا تستحق القراءة والتأمل

اكرمك الله
 
ستيته

شرف كبير لي مرورك بمدونتي

وشكرا لك أنت على تعليقك

دمت بخير
 

إرسال تعليق