لما ذهبت إليه لأحصل على قيمة الإيجار الذي يماطل في سداده قال لي : "طب هات الوصل وأنا هادخل أجيبلك الفلوس" ، ثم عاد بعد قليل قائلا بسخرية : " أنا كده أخدت الوصل وإنت تعتبر خدت الفلوس وملكش عندي حاجه وأعلى ما في خيلك إركبه"!!!
لما قال ذلك لم أتمالك نفسي..فالرجل يقطن عندنا منذ خمس سنوات..وكم كنا نعامله كأخ لنا..وكم أحسنا إليه..فلما قال ذلك..انفعلت بشده..ثرت ثورة عارمه..غضبت كما لم أغضب من قبل..رغم أني نادرا ما أغضب..وأبدا لا أتخطى حدود اللياقة في تعاملي مع الناس أيّا كانوا..وما أذكر أني طوال حياتي تخطيت تلك الخطوط الحمراء التي خطها لنا أبي لتحكم تعاملاتنا مع الناس..إلا أنني – ولأول مره – تخطيت الحدود وتجاوزت الخطوط!!!
الرجل استخف بي..ظن خطأ أنني يمكن أن أتغاضى عن حق إخوتي..ظن خطأ أيضا أني بعد وفاة والدي أضعف..نسي كل المساعدات التي قدمها له والدي عندما جاء إلينا وهو في بداية الطريق..فتساهل معه أبي إلى حد بعيد..وفي الحقيقة لم أحتمل منه ذلك..لم أحتمل أن يضرب بكل إحساننا إليه عرض الحائط..لم أحتمل أن يكلمني بتلك الطريقة الفظه..ولا أن ينظر لي تلك النظرة الساخرة المستهتره..ولا أن يعاملني بذلك الأسلوب الذي أقل ما يوصف به أنه يفتقر إلى الأدب..
وإلى الآن لا أدري كيف كانت ردة فعلي هكذا..فقد وبخت الرجل – ولأول مره – أمام الجميع..ارتفع صوتي – ولأول مره – في شارعنا الذي أكاد أوقن أن بعض سكانه لم يعرفوا صوتي إلا ساعتها..رغم أني أقطن به منذ ما يقرب العشر سنوات!!! أعتقد أنني فهمت الآن : "اتق شر الحليم إذا غضب"..
ويبدو أن الرجل كان قد اعتبر ذلك ضعفا مني وانكسارا..ما فهم هو – ككثيرين غيره – أن ذلك حب ومودة وتراحم وتعاطف ومعاملة بالحسنى مع الجار عملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم به..ما فهم أني دائما ما أضع في اعتباري "الدين المعامله "..
المهم أني فضحت أمر الرجل أمام الجيران .. عددت لهم مساوئه التي لا يعرفونها والتي طالما احتملناها..لم أفعل ذلك انتقاما –ويعلم الله صدقي – لكني فعلت ذلك لأنه لما اجتمع الجيران لحل المشكله لم يكتف بما فعله..لم يعترف بخطئه..بل بدأ يتهمني بأنني من أخطأت في حقه..والحمد لله فالجيران يعرفونني جيدا فلم يستمعوا لحديثه..بل انتهى حكمهم بأن يترك المكان فورا طالما يمتنع عن السداد..
إنتهى الأمر عند ذلك..وانتهت صلتي بذلك الرجل..لكني ما أن صعدت إلى حجرتي ، حتى انتابني شعور بالضيق والحزن..ولم أستطع حبس أدمعي..فأنا وبصدق لأول مرة منذ وفاة والدي أشعر بحاجتي الحقيقية إليه..أشعر بقيمة وجوده بيننا حتى وإن قصر المرض كل دوره في مجرد التوجيه من فراشه..علمت أن دور الأب لا يعدله دور..وأن مكانه لا يستطيع أحد – أيا كان – أن يشغل بعضه..أيقنت بأن وجود الأب بالبيت شعور خفي بالثقه..بالأمان..بالاطمئنان..بأن لك من تستند عليه..بأن لك من هو مسئول عن حمايتك ومساندتك – ولو معنويا – في شتى المواقف والظروف.
حزنت كثيرا لأني – لأول مره – أخالف أمر أبي بمعاملة الناس بالحسنى..معاملتهم بأخلاقنا نحن لا بأخلاقهم هم..وأعترف بأنني أخطأت..أعترف أنه ما كان يجوز لي أن أغضب هكذا مهما حدث..ما كان لصوتي أن يعلو هكذا..ما كان لي أن أتخطى الحدود وأتجاوز الخطوط التي خطها أبي واقتنعنا نحن بها ووقفنا عندها..
لكني استفدت الكثير مما حدث..رأيت بأعين إخوتي شعورا بالأمان..وبأن البيت مازال له رجل يدافع عن حقوقه..ويرعى شئونه..ويقوم بمصالحه..وإن كان هذا الرجل ليس كذاك..لكنها الأقدار..ولا أخفيكم سرا أن هذا الشعور بثقة إخوتي بي واتكالهم علي قد أزعجني قدر ما أسعدني..فهو يلقي على عاتقي مسئولية كبيره أسأل الله العلي القدير أن يوفقني أن أكون على قدرها..
أيضا تعلمت درسا مهما..أنه يجب علي أن أضع حدودا واضحة للتسامح مع الناس..رغم اقتناعي التام بأن التسامح من مكارم الأخلاق ، لكنه في زماننا لا يصلح التعامل به مع كل الناس..فمنهم من يعتبره ضعفا..
تعلمت أن أعامل الناس كما يستحقون ..لكن وفقا لمبادئي وأخلاقي..داخل الإطار التربوي الذي نشأت فيه..وأخذت عهدا على نفسي ألا أتخطى ثانية الحدود وخطوط أبي الحمراء..
على الهامش:
"لطالما رفضت المثل القائل : "اتق شر من أحسنت إليه" ورغم كل ما حدث ورغم أني عانيت كثيرا من بعض من أحسنت إليهم ، إلا أنني ما زلت عند موقفي في رفض المثل ، فمن المفترض أن من يفعل الخير يحتسبه عند الله ، وإلا ما كان خيرا يؤجر عليه ، فأرجو ألا يفهم القارئ من سياق المقال أن يتقي شر من أحسن إليه ، فقط.. إفعل الخير وانتظر الثواب من الله ، فما كل البشر يحفظون الجميل ويصونون المعروف!!"
لما قال ذلك لم أتمالك نفسي..فالرجل يقطن عندنا منذ خمس سنوات..وكم كنا نعامله كأخ لنا..وكم أحسنا إليه..فلما قال ذلك..انفعلت بشده..ثرت ثورة عارمه..غضبت كما لم أغضب من قبل..رغم أني نادرا ما أغضب..وأبدا لا أتخطى حدود اللياقة في تعاملي مع الناس أيّا كانوا..وما أذكر أني طوال حياتي تخطيت تلك الخطوط الحمراء التي خطها لنا أبي لتحكم تعاملاتنا مع الناس..إلا أنني – ولأول مره – تخطيت الحدود وتجاوزت الخطوط!!!
الرجل استخف بي..ظن خطأ أنني يمكن أن أتغاضى عن حق إخوتي..ظن خطأ أيضا أني بعد وفاة والدي أضعف..نسي كل المساعدات التي قدمها له والدي عندما جاء إلينا وهو في بداية الطريق..فتساهل معه أبي إلى حد بعيد..وفي الحقيقة لم أحتمل منه ذلك..لم أحتمل أن يضرب بكل إحساننا إليه عرض الحائط..لم أحتمل أن يكلمني بتلك الطريقة الفظه..ولا أن ينظر لي تلك النظرة الساخرة المستهتره..ولا أن يعاملني بذلك الأسلوب الذي أقل ما يوصف به أنه يفتقر إلى الأدب..
وإلى الآن لا أدري كيف كانت ردة فعلي هكذا..فقد وبخت الرجل – ولأول مره – أمام الجميع..ارتفع صوتي – ولأول مره – في شارعنا الذي أكاد أوقن أن بعض سكانه لم يعرفوا صوتي إلا ساعتها..رغم أني أقطن به منذ ما يقرب العشر سنوات!!! أعتقد أنني فهمت الآن : "اتق شر الحليم إذا غضب"..
ويبدو أن الرجل كان قد اعتبر ذلك ضعفا مني وانكسارا..ما فهم هو – ككثيرين غيره – أن ذلك حب ومودة وتراحم وتعاطف ومعاملة بالحسنى مع الجار عملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم به..ما فهم أني دائما ما أضع في اعتباري "الدين المعامله "..
المهم أني فضحت أمر الرجل أمام الجيران .. عددت لهم مساوئه التي لا يعرفونها والتي طالما احتملناها..لم أفعل ذلك انتقاما –ويعلم الله صدقي – لكني فعلت ذلك لأنه لما اجتمع الجيران لحل المشكله لم يكتف بما فعله..لم يعترف بخطئه..بل بدأ يتهمني بأنني من أخطأت في حقه..والحمد لله فالجيران يعرفونني جيدا فلم يستمعوا لحديثه..بل انتهى حكمهم بأن يترك المكان فورا طالما يمتنع عن السداد..
إنتهى الأمر عند ذلك..وانتهت صلتي بذلك الرجل..لكني ما أن صعدت إلى حجرتي ، حتى انتابني شعور بالضيق والحزن..ولم أستطع حبس أدمعي..فأنا وبصدق لأول مرة منذ وفاة والدي أشعر بحاجتي الحقيقية إليه..أشعر بقيمة وجوده بيننا حتى وإن قصر المرض كل دوره في مجرد التوجيه من فراشه..علمت أن دور الأب لا يعدله دور..وأن مكانه لا يستطيع أحد – أيا كان – أن يشغل بعضه..أيقنت بأن وجود الأب بالبيت شعور خفي بالثقه..بالأمان..بالاطمئنان..بأن لك من تستند عليه..بأن لك من هو مسئول عن حمايتك ومساندتك – ولو معنويا – في شتى المواقف والظروف.
حزنت كثيرا لأني – لأول مره – أخالف أمر أبي بمعاملة الناس بالحسنى..معاملتهم بأخلاقنا نحن لا بأخلاقهم هم..وأعترف بأنني أخطأت..أعترف أنه ما كان يجوز لي أن أغضب هكذا مهما حدث..ما كان لصوتي أن يعلو هكذا..ما كان لي أن أتخطى الحدود وأتجاوز الخطوط التي خطها أبي واقتنعنا نحن بها ووقفنا عندها..
لكني استفدت الكثير مما حدث..رأيت بأعين إخوتي شعورا بالأمان..وبأن البيت مازال له رجل يدافع عن حقوقه..ويرعى شئونه..ويقوم بمصالحه..وإن كان هذا الرجل ليس كذاك..لكنها الأقدار..ولا أخفيكم سرا أن هذا الشعور بثقة إخوتي بي واتكالهم علي قد أزعجني قدر ما أسعدني..فهو يلقي على عاتقي مسئولية كبيره أسأل الله العلي القدير أن يوفقني أن أكون على قدرها..
أيضا تعلمت درسا مهما..أنه يجب علي أن أضع حدودا واضحة للتسامح مع الناس..رغم اقتناعي التام بأن التسامح من مكارم الأخلاق ، لكنه في زماننا لا يصلح التعامل به مع كل الناس..فمنهم من يعتبره ضعفا..
تعلمت أن أعامل الناس كما يستحقون ..لكن وفقا لمبادئي وأخلاقي..داخل الإطار التربوي الذي نشأت فيه..وأخذت عهدا على نفسي ألا أتخطى ثانية الحدود وخطوط أبي الحمراء..
على الهامش:
"لطالما رفضت المثل القائل : "اتق شر من أحسنت إليه" ورغم كل ما حدث ورغم أني عانيت كثيرا من بعض من أحسنت إليهم ، إلا أنني ما زلت عند موقفي في رفض المثل ، فمن المفترض أن من يفعل الخير يحتسبه عند الله ، وإلا ما كان خيرا يؤجر عليه ، فأرجو ألا يفهم القارئ من سياق المقال أن يتقي شر من أحسن إليه ، فقط.. إفعل الخير وانتظر الثواب من الله ، فما كل البشر يحفظون الجميل ويصونون المعروف!!"